بسم الله الرحمن الرحيم
مقال جديد عن التربية الفنية
بقلم/ أ. طارق قزاز
أنقله لكم لتعم الفائدة من منتديات فني على الرابط:
http://art.pub.sa/vb
....
هل يمكن للتربية الفنية أن تحقق أهداف التربية العامة
بقلم/ أ. طارق بكر قزاز
مرت التربية الفنية فيما مضى بمراحل مختلفة في تطور طرق تدريسها، من مرحلة المحاكاة من الطبيعة، إلى مرحلة النقل الزخرفي من الأمشق الجاهزة، فمرحلة الإبداع (أو التعبير الحر). وكان لتركيز معلمي التربية الفنية على تدريس كيفية إنتاج الأعمال الفنية وطغيان ذلك على الاهتمام بتدريس المعلومات والمعارف التاريخية أو النظرية عن الفن، وقلة الاهتمام بما تركز عليه التربية الفنية من تنمية قدرات التعبير والابتكار والتفكير الناقد، كان لذلك أثره على وجهة النظر التي انعكست عند المسئولين وعند أولياء الأمور ومدراء المدارس والمعلمين في المدرسة، بأن التربية الفنية لا تسهم في تحقيق الأهداف العامة للتربية، وذلك لبعدها عن تعليم الطلاب التفكير وحل المشكلات. ثم تطورت الأمور إلى الأسوأ بابتعاد كثير من المعلمين عن المنهج المعتمد لمادة التربية الفنية، بتقديم موضوعات دروس تختلف باختلاف المعلم ، بالإضافة إلى اجتهادات غير الأكاديميين أو غير المتخصصين في تدريس التربية الفنية وممارسة أنشطة فنية لم تؤدي إلى تعليم حقيقي. بالإضافة إلى عدم وجود وسائل تقييم مناسبة ومقننة تساعد المعلمين في قياس تحصيل الطلاب وعدم تطبيق أساليب التقويم إلا فيما ندر.
واعتبرت حصة التربية الفنية في التعليم العام محطة راحة في مقابل ضغوط واجبات مواد المدرسة الأخرى. وكانت النظرة إلى التربية الفنية أنها مادة ترفيهية أكثر منها تعليمية، واعتقد الكثير بأنها تتعامل مع العواطف وتنمي الأحاسيس، وهي أمور لم تهتم بها أهداف التربية والتعليم العامة في الأساس. وقد اعتبر الفن وما يتعلمه الطلاب في التربية الفنية فرصة للعب ووقت للراحة بممارسة الأعمال الفنية، وليس فرصة لاستخدام العقل من خلال تعلم المهارات والمعلومات. وقد علم الجميع بأنه لم يكن لمادة التربية الفنية أي دور مؤثر في نجاح الطالب أو تخرجه من المدرسة.
فكان الحل لمشكلات التربية الفنية هو في إتجاه جديد أطلق عليه اسم الاتجاه ذو الأساس المعرفي، إن الاتجاه المعرفي هو مدخل أو مقاربة منهجية شمولية في تدريس وتعلم الفنون، تم تطويره في الأساس بواسطة مجموعة من أساتذة الفن الغربيين، لتناسب نقل المعرفة والخبرات الفنية إلى الطلاب في التعليم العام. وعندما أثبت هذا الاتجاه نجاحه في تدريس التربية الفنية، تم صياغته ليناسب التعليم الجامعي في تدريس كيفية تعليم الفنون للطلاب الذين سيتخرجون كمعلمين لمادة التربية الفنية. وكان يتوقع من هذا الاتجاه في البداية أن يمكن المتخرج للتدريس من التعرض لتشكيلة متنوعة من المعارف والخبرات في مجموعة من العلوم المختلفة من خلال محتوى الفن، هذه العلوم هي: - الإنسانيات. - وعلم الاجتماع. - والتاريخ. -والفلسفة. - والآثار. - و التربية. - وعلم النفس. - والقياس والتقويم. - وتكنولوجيا الاتصال. - وغيره من المواد التربوية..
مع التركيز على دراسة أربعة مجالات معرفية لها علاقة وثيقة بالفنون هي:
إنتاج الأعمال الفنية.
نقد الأعمال الفنية.
دراسة تاريخ الفن والفنانين.
دراسة نظريات علم الجمال.
وقد أكد المتخصصون أن هذه المجالات المعرفية سوف تمكن معلمي التربية الفنية من تدريس الطلاب المعارف والمهارات والخبرات التي تعمل على تطوير الإبداع وفهم وتقدير الفن والفنانين وإدراك أهمية العمل الفني المهني، ودور ووظيفة الفنون في الحضارة الإنسانية والمجتمعات. وأن اعتماد الاتجاه المعرفي في تدريس التربية الفنية على هذه المجالات المعرفية الأربعة يجعل المتعلم يتمكن من فهم وتقييم العمل الفني في سياقات مختلفة (فلسفية، اجتماعية، أخلاقية...الخ) يغطيها كل مجال بنفس كمية الاهتمام بالإبداع الفني في إنتاج الأعمال الفنية. وهذا ما يفسر استخدام لفظة (معرفي) في هذا الاتجاه، حيث أنه يأخذ بعين الاعتبار عدد من السمات المنظمة للمحتوى، وهي كما يلي:
1- تمثل المجالات المعرفية الأربعة أساس المحتوى التعليمي.
2- تمثل تلك المجالات نفس المجالات التي يعمل في إطارها الفنانين المتخصصين.
3- أن من خصائص تعليم الفن من خلال هذه المجالات، حث الطلاب على الاكتشاف والبحث.
وبذلك تعتبر المجالات الأربعة المكونة لمحتوى الاتجاه المعرفي في تدريس التربية الفنية، مصادر معرفية لخبرات هامة في تعلم الفن. وتعرَّف بأنها تلك المجالات المعرفية والمهارات التي تطورت وما زالت تتطور من خلال النشاط الفني، للفنانين، والنقاد، ومؤرخي الفنون، وفلاسفة علم الجمال، الذين حاولوا الإسهام بشكل منظم في محتوى تدريس الفن، فهذه المجالات هي انعكاس لما يقوم به الممارسين الفعليين للفن. وفي الواقع فإن الاتجاه المعرفي في تدريس التربية الفنية يرقى بالفن من خلال تنظيم محتواه في هذه المجالات الأربعة.
ومن الملاحظ أن التطور الحاصل في هذه المجالات يساعد واضعي محتوى مناهج الاتجاه المعرفي في تدريس التربية الفنية على فهم الطريقة التي يجب العمل من خلالها باعتبارها أسس معرفية لمحتوى الفن، ولما تزودنا به من معارف ومهارات ومفاهيم تمكن المتعلمين من التزود بحصيلة جمة من الخبرات الفنية، بأربعة طرق في الحد الأدنى:
إنتاج الأعمال الفنية، من خلال تطبيق المهارات لكل من الخبرات المتعلمة، والأفكار المبتكرة، باستخدام الأدوات والتقنيات الأدائية بمختلف الخامات.
ممارسة النقد الفني، بوصف، وتحليل، وتفسير، وتقييم الأعمال الفنية والتنظير حولها من خلال النقاش الفلسفي، من أجل زيادة فهمها وتقديرها وتوضيح الدور الذي يلعبه الفن في المجتمع. دراسة التاريخ الفني، والاجتماعي والحضاري والسياق المؤثر في الموضوعات التي تناولتها الأعمال الفنية التراثية والأثرية، بالتركيز على مظاهر المكان والزمان والعادات والتقاليد والوظيفة والطراز الخاص بالمنتج الفني، للوصول إلى تفهم أكبر للشروط التي وضعها الإنسان عبر التاريخ في الفن. دراسة علم الجمال، بإثارة النقاش والأسئلة حول طبيعة الفن ومعناه وقيمته، بحيث تسوقنا الإجابة إلى التمييز بين الفن وغيره من مظاهر الإنتاج الإنساني، وتحديد الفروق بينهما، ومناقشة القضايا التي قد تثار حول هذه الفروق، وما يصاحب ذلك من تطور لمعايير تقييم الفن والحكم على الأعمال الفنية.
وبرغم أنه من المناسب إيجاد تعريف لكل مجال من مجالات الاتجاه المعرفي في تدريس التربية الفنية، وذلك للوصول إلى تفهم أفضل للدور المناط بكل مجال، والوظيفة التي تصاحب العمل الفني من خلالها، إلا أن هذه المجالات تعتبر من الاتساع والتطور والتداخل فيما بينها ما يجعل من الصعب تحديد تعريف لأي منها في معزل عن الآخر، مما يؤدي إلى اعتبار تلك المحاولة غير مجدية باعتبار أن الحدود الفاصلة بين تلك المجالات متغيرة وتتفاوت في الاتساع حسب ملائمة العلاقات والقضايا المتعلقة بالأعمال الفنية، والتي قد تظهر في أي وقت.
إن الاتجاه المعرفي كما سبق القول هو مدخل وطريقة شمولية في تدريس التربية الفنية. فبرامج الاتجاه المعرفي وبرغم أنها كانت قد ابتكرت لتلاءم الطلاب في التعليم العام إلا أنها فيما بعد شملت مراحل أعلى، وتضمنت قواعد صيغت بمنهجية فكرية لتعليم التربية الفنية بشكل علمي. فعلى سبيل المثال تمكّن الأعمال الفنية الطلاب من تعلم واحدة من طرق إدراك العالم حولهم(من خلال مشاهدتها وإنتاجها). ويساعدنا تعلم تاريخ الفن على تفهم كيف استطاعت الشعوب من الحضارات المختلفة في هذا العالم من التعامل في الماضي والحاضر مع الحياة وطريقة التفكير والشعور نحو حضارتهم التي بنوها بأيديهم، وكيف يتقبلون مكانهم من العالم. فالبرنامج الشمولي للاتجاه المعرفي ينظر إلى العمل الفني على أنه يوفر محتوى الدراسة، وأن على المعلم الاختيار من بين الأعمال الفنية ما يوضح المفاهيم المختلفة للطلاب. إلا أنه لم يتم تحديد الصفة التي يمكن من خلالها اختيار مجموعة الأعمال التي تشكل الأساس في توضيح تلك المفاهيم. فدراسة الأعمال الفنية تعتمد على طبيعة المتعلمين، واختيارها يجب أن يخضع لما تحتويه من معاني وتفسيرات، وتحقيقها للاحتياجات الخاصة بالموضوع وإثارتها لفضول المتعلم للتعلم من خلالها.
إن ظهور الاتجاه المعرفي في تدريس التربية الفنية كطريقة شمولية تطلب أن تقدم الاستراتيجيات التي يجب إتباعها في توصيل المحتوى إلى الطلاب داخل حجرة الصف، ومن تلك الاستراتيجيات الخبرات المبنية على النقاش الذي يثير عند الطلاب الرغبة في الإنتاج الفني والنقد والبحث في تاريخ الفن ونظريات الجمال. وكذلك الحديث أو الكتابة عن الفن وعمل الأبحاث في مجالات الإنتاج الفني المختلفة، كلها استراتيجيات مهمة في الاتجاه المعرفي.
يعمل الاتجاه المعرفي في تدريس التربية الفنية على تنمية نشاط الطلاب، وذلك بالتوازي مع تطوير قدراتهم على الإدراك، والاتصال، والتخيل، وإصدار الأحكام، والتعامل الاجتماعي. وبذلك تعمل التربية الفنية على تطوير قدرات الطلاب في مجال حل المشكلات وتنمية مهارات التفكير العليا. وبمقارنة الوضع الراهن للتربية الفنية مع ما يقدمه الاتجاه المعرفي، نجد أنه يسهم وبقوة في إقناع الجميع بأن التربية الفنية يمكن أن تحقق الأهداف العامة للتربية، وأهمها تلك الأهداف التي تركز على النمو المعرفي، حيث تتعامل دروس التربية الفنية مع مدارك وثقافة الطلاب بتعليمهم مجموعة من المعارف الفنية، وتشجيعهم على التعبير عن عالمهم وأفكارهم وأحاسيسهم الخاصة، وتمنحهم الفرصة لتذوق ومناقشة أعمال الفنانين من خلال ما تعبر عنه من أفكار وقضايا، وحثهم على رؤية الفنون خارج المدرسة، بحيث يمكنهم التعرف على معاني الفنون وفهمها، وتشجيعهم على ابتكار تلك الأشياء المركبة التي نسميها الأعمال الفنية.
Bookmarks